بسم الله الرحمن الرحيم
كان لأحد الرجال ثلاثة أولاد ، وكان على قدر كبير من الغنى، فلديه الأراضي والماشية والديار،
وكان أولاده يسألونه دائماً أن يقسم بينهم أمواله، قبل وفاته، ولكنه كان لا يستجيب إلى طلبهم
وكان يقول لهم بعد موتي سيورث كل واحد منكم حسب الشرع ، وما عليهم ألا أن يفتحوالخزينه
بعد وفاته، ليعرفوا كل شيء. ومضت الأيام، و مات الاب،
وأسرعوا إلى الخزانة يفتحونها، وإذا بهم يدهشون لما يرون،
فليس ثمة غير قبضة من تراب، وعظمة نخرة، وورقة بيضاء،
وقد كتب أمام كل واحدة اسم أحدهم، فلم يفهموا مما رأوا شيئاً
كيف يقتسمون أملاك أبيهم؟ وكاد الخلاف يدب في الأخوة
ولكن أحدهم اقترح مشاورة صديق لأبيهم، فرجعوا إليه يستشيرونه في الأمر،
فنصح لهم بالتوجه إلى حكيم في أحد البلاد، ليعرضوا أمرهم عليه. وسار الثلاثة
إلى بلد ذلك الحكيم ، وبينما هم في بعض الطريق،
رأوا نخلة عالية،
تتدلى منها فروع التمر، فتسلق أحدهم النخلة، وقطع فرع من التمر الناضج، وأقبلوا عليه، وإذا أول تمرة فيه مرّة لا تذاق ، وكذلك حال الثانية، فالثالثة، حتى لم يبق في الفرع غير اثنين ذاقوها فإذا هي حلوة فاقتسموها.
ثم مضوا في الطريق ، حتى رأوا واحة، فنزلوا بقربها، وكان ماؤها أبيض رقراقاً، فأدنوا منها إبلهم، ودعوها إلى الشرب، فلم تشرب ، فحاولوا الشرب منها، فإذا ماؤها ملح أجاج، فتركوها،
ومضوا في طريقهم قاصدين بلد الحكيم. وهم في الطريق رأوا حصاة صغيرة، تذروها الريح ، فتعلو، فإذا هي قصر مشيد، ثم ماتلبث أن تكون، حصاة صغيرة، تدوسها الأقدام، فعجبوا مما رأوا،
وكانوا قد وصلوا بلد الحكيم، فدخلوهاو سألوا علي منزل الحكيم حتى بلغوا داره
فدقوا عليه الباب، فخرج لهم غلام قادهم إلى غرفة التقوا فيها بشيخ عجوز، متهدم
، ذي لحية بيضاء، يبدو أنه في التسعين، فحسبوه الحكيم،
فحيوه، وأخبروه أن لديهم حاجة، فأخبرهم أنه ليس هو الحكيم، وإنما أخوه الأكبر،
وماعليهم إلا أن ينتظروه حتى يجيء. ولبث الإخوة ينتظرون،
فدخل عليهم رجل قوي مشدود القامة، مهيب الطلعة، متقدم في العمر، ولكنه محتفظ بقوته وحيويته، يبدو كأنه في الستين، وما إن دخل حتى نهض له الشيخ العجوز، وقبل يده، وحياه، ثم قدمه إلى الإخوة على أنه أخوه الحكيم، فعجبوا له، وحيوه، وهم دهشون، ثم عرضوا عليه أمرهم، وسألوه تفسير ماترك لهم والدهم. أطرق الحكيم قليلاً، ثم أخبرهم بتفسيره،
فأما كومة التراب فتشير إلى مايملك والدهم من أرض،
وأما العظمة النخرة فتشير إلى مايملكه من ماشية،
وأما الورقة البيضاء فتشير إلى مايملكه من ديار مسجلة في الأملاك
، وماعليهم إلا أن يقتسموها، كما هي موزعة.
وأعجب الإخوة بتفسير الحكيم، كما أعجبوا بقسمة والدهم لهم،
ثم أخبروا الحكيم بما رأوه في الطريق، وسألوه تفسيره،
فأخبرهم أن التمر الكثير، الذي لم يجدوا فيه حلوا سوى اثنتين أو ثلاث،
فمثله كمثل الأصحاب، وهم كثير ولكن المخلص فيهم قليل
، وأن الماء الرقراق الصافي، مالح الطعم، فمثله كمثل المرء،
يعجبك مظهره، يخدعك به عن فعاله وخلقه، التي لا توافق مظهره،
وأن الحصاة التي تعلو فتشيد قصراً، ثم تسقط فتهدمه، فمثلها كمثل الكلمة،
تحلو وترق، فتبني بيتاً، وتغلظ وتقسو فتخرب مابنت، فأعجب الأخوة بتفسيره،
وشكروه عليه، وهموا بالانصراف. ولكن الأخوة التفتوا إلى الحكيم، قبل مضيهم، يسألونه عن حاله،
كيف يكون أكبر من أخيه، في حين يبدو أخوه هو الأكبر، فأخبرهم الحكيم
أن أخاه غارقاً في الهموم، يفكر فيما مضى، وفيما سيأتي ويطيل التفكير،
أما هو فيرمي الهموم جانباً، ولا يفكّر إلا فيما هو فيه، فأعجبوا بحكمته،
وعادوا إلى بلدهم هانئين بما أفادوه من حكمة